حملة عوانس من أجل التغيير: الزواج العرفي ليس حلا للعنوسة

- كفانا معايرة للفتاة التي تأخر زواجها، فذلك يجبرها على الاختباء للتخلص من أسئلة المتطفلين.

- عادات المجتمعات العربية تجعلنا نخسر قوة يمكن أن تكون أكثر فاعلية في المجتمع.

في خطوة جديدة من نوعها قامت إحدى الفتيات المصريات بتدشين مجموعة على الفيس بوك في بداية هذا الشهر والتي تحمل عنوان " عوانس من أجل التغيير" والتي ضمت ما يزيد عن 1500 مشترك في أقل من شهر.

وقد وضحت يمنى مختار البالغة من العمر 27 عاماً على واجهة الصفحة أنها تسعى لتأسيس حركة اجتماعية تهدف إلى تغيير النظرة السلبية الموجهة إلى كل عانس، والتى تجعلها أمام أمرين إما الزواج بأي شخص للتخلص من هذا اللقب الجاثم على أنفاسها أو الثبات على موقفها في انتظار الشخص المناسب لها ولتتحمل وقتها كل اللعنات التي سيقذفها المجتمع بها، وأكدت أنها لا تسعى من خلال هذه الصفحة إلى معاداة الرجال بأي شكل من الأشكال ،بل ترى أن انضمامهم للحركة يساند محاولات تغيير هذه النظرة السلبية في محاولة لإقناعهم بكف أيديهم عن الفتاة التي تأخر زواجها، وفي ذات الوقت وضحت أنها لا تدعوا الفتيات إلى الامتناع عن الزواج ولكن ترفض أن تتزوج أي فتاة تحت ضغط الأسرة أو المجتمع أو لمجرد التخلص من لقب عانس لتعود إلى أهلها مرة أخرى وهى تحمل لقب مطلقة.

[h2]لا للزواج لأجل التخلص من " عانس"[/h2]

وفي تصريحات خاصة وضحت يمنى أن الجمعية الفرنسية للصداقة والتضامن مع الشعوب الأفريقية اختارتها بعد تدشين الصفحة كواحدة من أهم 75 امرأة في القارة الأفريقية وأصدرت كتابا تحت عنوان "نساء أفريقيا بناة المستقبل" الصادر باللغة الفرنسية يضم 75 بورتريه لنساء من القارة الأفريقية وذلك دعما لفكرة دعم غير المتزوجات " العوانس".

وعن أهداف الحملة وضحت قائلة: " فكرة الحركة تقوم على تقديم الدعم النفسي للفتيات غير المتزوجات اللاتي يواجهن نظرة ساخرة من المجتمع ،تدفعهن إلى العزلة أو تجنب الحياة الاجتماعية التي تضغط عليهمن من أجل القبول بزيجات غير مناسبة لا يرغبن فيها من أجل التخلص من لقب عانس، كما نسعى لتوجيه نظر الآباء والأمهات إلى أن الضغط المستمر على الفتاة لكي تتزوج من شخص لا تريده لا يؤدي إلا لزيجات فاشلة تنتهي بالطلاق، وأخيرا نسعى لتوجيه الفتيات إلى أن الزواج ليس نهاية المطاف وأن لكل فتاة دورا يجب أن تؤديه تجاه المجتمع سواء من خلال العمل التطوعي أو عملها الشخصي، فإن كانت قد حرمت من نعمة الأمومة فهناك الكثير من الأطفال الأيتام الذين يحتاجون لمن يضمهم، وكذلك يجب أن يكون لكل منهن مجموعة من الأنشطة و الهوايات اللاتي يستمتعن بها.

[h2]تفاعل قوي ... لدراسة أسباب العنوسة[/h2]

وعن تفاعل مشتركي الفيس بوك تضيف قائلة: " هناك عدد كبير من الأعضاء الرجال توافدوا لطلب عضوية المجموعة، حيث كانت أعدادهم تتجاوز أعداد الفتيات في بداية إنشاء الجروب، وكانوا يتفاعلون من خلال إبداء آرائهم حول الموضوعات المختلفة، كما أن هناك تفاعلا ملحوظا للكثير من الفتيات عبر الرسائل الخاصة التي تأتيني لطلب المشورة، وأكثرها من فتيات يعانين من ضغط الأهل الذي يصل في بعض الأحيان إلى التقليل من شأن الفتاة أو حرمانها من ميراثها حتى لا تستقل بحياتها".

وعن آراء المشتركات اللاتي راسلناهن لأجل إيجاد حلول لمشاكلهن في أسباب انتشار ظاهرة العنوسة توضح قائلة: " أغلب الفتيات يعتبرن أن أهم أسباب العنوسة هي البطالة والأحوال الاقتصادية، إلا أن هناك نسبة كبيرة من العنوسة في الطبقات العليا بعكس الطبقات الدنيا حيث لا تواجه الفتيات من المستويات الدنيا مشكلة العنوسة، بل تعاني الفتيات من مستويات تعليمية عليا من العنوسة، فكلما ارتفع المستوى التعليمي للفتاة كلما قلت فرصها في الزواج وهو أمر شديد الخطورة حيث تحاول الكثير من الأسر تحجيم طموح بناتها من أجل أن تجد العريس الملائم لها.

وللأسف فإن نظرة المجتمع للعانس تسبب لها حرجاً شديداً والسبب الأساسي لتلك النظرة يرجع إلى حصر دور المرأة في الإنجاب، فالمجتمع الذي لا ينظر للمرأة باعتبارها أما يضع لها مدة صلاحية تنتهى بانتهاء قدرتها على الإنجاب، السبب الثاني هو أن المجتمع يضع لنا كتالوج علينا أن نسير عليه كفتيات، وإلا تعرضنا للعزل، مجتمع لا يتقبل الاختلاف، لا يتقبل فكرة أن كل إنسان عليه أن يرسم خريطة حياته كما يريد لا كما يرسمها الكتالوج، مجتمع يحصر فكرة تعمير الأرض في الإنجاب فقط، غافلا أن لكل إنسان دورا في الحياة يمكن أن يعمر الأرض من خلاله، لأن طبيعة المجتمع فضولي يدس أنفه في حياة كل الناس لذلك يسأل طول الوقت عن عدم زواج فلانة ويلصق بها كل العيوب لأنها لم تتزوج.

[h2]مطلقة أفضل من عانس ![/h2]

وفي ردها على تساؤل – آسية – عن انضمام بعض المطلقات للمجموعة على الفيس بوك لمعاناتهن من النظرة السلبية من المجتمع تضيف قائلة: " رغم أنه في الحالتين – عانس أو مطلقة – نجد نظرة سلبية من المجتمع، إلا أنها تختلف فالنظرة إلى العانس ساخرة أحياناً كما في الأفلام التي تقدم العانس كقبيحة أو بلهاء ، أما في الواقع فيلصقون بها العيوب ليبرروا عدم زواجها أو قد يوصمونها بأنها ارتكبت خطيئة جعلتها عازفة عن الزواج حتى لا ينكشف أمرها ، أما المطلقة فهي في نظر المجتمع امرأة فاشلة لم تنجح في صون بيتها، ثم هي امرأة ساقطة يمكنها أن تفعل ما تريد دون أن ينكشف أمرها ، بل وتخشاها أي زوجة أن تخطف زوجها.

ومن الشائع في المجتمع المصري وبعض المجتمعات العربية الأخرى أن بعض الفتيات تؤمن أن لقب مطلقة أفضل من عانس، فالمطلقة كان مرغوب فيها ولم يحدث توافق بينها وبين زوجها، أما العانس غير مرغوب فيها أصلا ، وعن سبب هذا الإحساس الخاطئ، تقول يمنى: " السبب الأساسي هو ضغط المجتمع الذي يدفع الفتاة للزواج ومن ثم الطلاق لتحصل على شهادة بأن هناك من رغب فيها وتزوجها، لكنني اعتبر أنه تفكير ساذج فالنظرة للمطلقة والعانس كلاهما سيئة ، كما أن السعي لإرضاء المجتمع لا يأتي على حساب أنفسنا".

[h2]وللفتيات رأي ![/h2]

وقد تواصلت آسية مع بعض المشتركات على المجموعة لرصد آرائهن وآلامهن حيث تقول منى 32 عاماً: " أكره نفسي بسبب نظرة المجتمع لي خاصة الرجال منهم، وأكثر من آذاني نفسياً، أن رجلاً يعمل في الشركة التي أعمل بها تقدم لخطبتي، وعندما رفضه أبي واستجبت أنا لرغبة أبي حتى لا أعقه، انقلب إنساناً آخر طالباً أن أتزوجه عرفياً لأنني عانس ولن أجد من ينظر لوجهي !

وتضيف فاتن 29 عاماً: " أنا لا أعترف بلقب عانس، فأنا أؤمن بقضاء الله وقدره، وأجاهد نفسي ألا أشعر باليأس أبداً أو أشعر أن الزواج نهاية العالم، وأرفض فكرة الزواج من رجل غير مناسب لأهرب من هذا اللقب، فسوف يكرمني الله في الجنة إن أنا صنت نفسي من الحرام".

أما م.خ فلها رأي آخر حيث تقول: " بالفعل كما ذكرت يمنى أن بعض الرجال يعتقدون أن العانس فريسة سهلة تقع في الحرام لحاجتها للمشاعر والحب، وهذا غير صحيح لأن الحب لم يخلقه الله عز وجل بين الرجل والمرأة فقط، وإنما هناك حب الله عز وجل وحب الآباء والأمهات وحب الصديقات وغيرها من أنواع الحب، وقد تعرفت على إحدى زميلاتي في العمل التي وافقت على الزواج العرفي – بنية إعلانه في الوقت المناسب – للهروب من أزمة نفسية اسمها أنا عانس، وهذا أكبر خطأ تورط به الفتاة نفسها، لأن الرجل يفكر في فريسة ولا يفكر في زواج عرفي يعلنه لاحقاً".

تواصلنا مع الدكتورة نعمت عوض الله – الطبيبة والمستشارة الاجتماعية – والتي تقول: " الزواج العرفي ليس حلاً لمشكلة العنوسة، ولكن حل مشكلة الرغبة الجسدية الفائرة دون النظر إلى ما يترتب على ذلك من مصائب ومآس، فقد أرسلت لي فتاة أو فلنقل سيدة رسالة بدأتها بهذه الكلمات : أنا بضرب نفسي بالجزمة على لحظة غباء وضعف وقعت فيها على ورقة زواج من زميل لي، كنت أراه أفضل إنسان في الدنيا وأنا اليوم أعرف أنه لا يساوى كثيرا ولا قليلا .

والقصة أنه بعد عدد من اللقاءات الحميمة في إحدى الشقق تزوج بغيرها، وليس هذا ما ضايقها، ما يقتلها أنه يملك نسخة الورقة الوحيدة التي بينهما ويرفض أن يطلقها وهى الآن بعد أن تخرجت وعملت في مكان مرموق ولا تراه ولا تبحث عنه ولا هو أيضا وكأن ما كان بينهما لم يكن، لا تعرف كيف تتزوج، إذن هي عانس بنص تعريف الكلمة، لأنها كلما طالبته بالطلاق والورقة لديه يساومها على ليلة في الفراش كحقه الزوجي الأخير، وهى لم تعد تستطيع ولا تريد أن تؤلم أهلها إذا لجأت إلى أي أسلوب آخر للحصول على الورقة بالفضيحة والعار.

فأين حل مشكلة العنوسة ؟؟؟؟ وكيف تخطى الشباب والفتيات بهذه العلاقات صعوبات الزواج المزعومة ؟؟

وبنظرة شاملة على الوطن العربي نرى أن المسألة لا تعدو أن تكون انتشارا للفكر الأناني بين الأجيال الصاعدة وتنميته بشدة من وسائل الإعلام بنظام: أنا ومن بعدى الطوفان، أو سعادتي ورغباتي الشخصية أولا وكل شيء ماعدا ذلك يهون .... وانتفت الأفكار النظيفة التي خلقت أجيالا مستقرة، مثل قيمة الشرف، الأسرة، البيت، البناء، الكرامة الشخصية والكرامة العامة، النخوة، الحياء، وغيرها.

فهذه العلاقات غير المشروعة لا أسميها زواجاً .. فالتسمية أكرم من أن نطلقها على هذا الزنا المقنع، تنتشر بين شباب أغنياء في دول الخليج، وشباب فقراء في مصر، وهى بين الجهلاء والمتعلمين، وبين أهل الريف وأهل الحضر، وبالتالي مع هذا العموم لا يمكن إرجاع اللجوء إليها إلى صعوبة ما، ولا إلى حل لمشكلة ما، والحل يبدأ دائما وينتهي عند التربية ودور الأهل في متابعة الأبناء وتعليمهم مبادئ الشرف والكرامة التي يفرضها الدين وحسن الخلق والتي عاشت أجيال تتباهى بها وكانت ولا تزال مسار العزة وعلو الشأن.

[h2]الصبر ثم الصبر[/h2]

ويتفق معها الأستاذ الدكتور مسعود صبرى عضو اتحاد العلماء المسلمين قائلاًَ: "الزواج نعمة وابتلاء، والعنوسة أصلها ابتلاء، وقد تكون نعمة، وكل نعمة هي ابتلاء من الله تعالى، كما قال سبحانه: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) [الأنبياء : 35] وكل ابتلاء قد يكون نعمة عند الصبر، وليس بنعمة عند العجز.

فأما كون العنوسة ابتلاء، لأنها حرمان من الزوج والولد والحياة الزوجية والاستقرار وغيرها، فواجب على العانس الصبر حتى يأتي الله بالفرج قريبا، وأما كونها قد تكون نعمة؛ لأن المرأة قد تصاب بالشر جراء الزواج أحيانا، من الزوج سيئ العشرة الذي لا يحسن معاملتها، أو أن يصيبها مكروه لو تزوجت ونحو هذا، والمطلوب هو الصبر والرضا، والسعي بالأخذ بالأسباب، وإزالة العوائق أمام طريق الزواج، فإذا كانت المرأة مبتلاة بالعنوسة وسئلت عن الزواج تنازلت عن أشياء كثيرة وسهلت، فإذا جاءها الزوج تغير حالها، وكثرت مطالبها، وتظل على هذه الحال تتنازل عند الفقدان، وتعسر وتشترط عند الوجود، ويساعدها في هذا أهلها أو بعض أصدقائها، ولو عقلوا لأعانوها على اختيار الزوج الصالح بعيدا عن عسر عيشه ويسره ، كما قال تعالى (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [النور : 32]

ولا حرج للفتاة أن تبحث لنفسها عن زوج صالح تشاركه الحياة، وقد فعلت السيدة خديجة – رضي الله عنها- حين بعثت من تخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يفهم منه رغبتها بالزواج منه، ولكن السيدة خديجة – رضي الله عنها- كانت عاقلة، فلم تجعل التي أرسلتها تباشر الرسول صلى الله عليه وسلم وتصارحه برغبتها، وإنما أخذت تمدح في خديجة وأخلاقها، وأن عندها الاستعداد أن تفاتحها في الزواج إن كانت عنده رغبة، فلتكن السيدة خديجة – رضي الله عنها- قدوة في هذا الأمر مع التزام منهجها، حتى يحفظ ماء وجه المرأة، بل لو صرحت المرأة برغبتها لم يكن هناك حرج شرعي، لكنه ربما يكون هناك حرج عرفي، وليس كل الناس يقدر المواقف.



وأحسب أن سلبية المجتمع للعانس ليست بهذه الصورة المتصورة، فكثير من الناس ينظر إلى العانس نظرة شفقة ورحمة، وهو موقف يختلف من شخص لآخر، لكن الضغوط النفسية، خاصة من النساء الأمهات والأقارب، والنظر إلى بنات الجيران المتزوجات، وبنات الأقارب المتزوجات هو ما يمثل ضغوطا نفسية على الفتاة العانس، بل إن العانس تمثل نسبة من المشكلة، فالعنوسة ليست معصية حتى يتبرأ منها، فلا تلق العانس بالا لما قد يقال، بل تعيش حياتها بكل حيوية، حتى يأتيها رزق الله تعالى بالزواج.

وأخيرا فإن بغية كل فتاة عاقلة أن تجد الزوج الصالح الذي تشاركه الحياة، أما إذا تأخر زواجها وبدأت تدفع إلى وسائل متعددة منها الانترنت بغية أن تجد زوجها، حتى لو تنازلت بعض الشيء عما قد لا تحبه، أو لا تقبله، فهذه نظرة خاطئة، لأن الإنترنت مجال الكذب فيه واسع، والخداع فيه أكثر، وغالب الفتيات يدخلن لأجل الزواج، وغالب الشباب يدخلون لأجل المتعة، وكثيرا ما يكذبون تحت ستار الزواج بغية أن تطول المدة بينه وبين من يخدعها، وإن لم يخل هذا من وجود من عنده نية حسنة، ولكن الواقع هو المحك الرئيس، وهو الذي يبين الصادق من الكاذب، أما إذا هربت الفتاة من الزواج على الإنترنت، فهو هروب لا فائدة منه، فالإنترنت وسيلة للتواصل، فلا بأس أن تخطب أولا ثم تتواصل مع خاطبها عبر الإنترنت مع الالتزام بالضوابط الشرعية.

التعليقات
تصنيفات المقالات