تمكين المرأة: عنصرية و إشعال صراع !!

منذ تأسيس لجنة مركز المرأة في الأمم المتحدة عام 1946 بدأت صياغة الاتفاقيات والمعاهدات التي تقوم على إقرار التماثل التام بين الجنسين، وتهدف لاستقلال المرأة وتحقيق ذاتها بعيداً عن سياق ومفاهيم الأسرة والمجتمع، وأخذت أنظمة الأمم المتحدة على عاتقها لاحقاً، وعبر عشرات السنين، مهمة فرض النمط والثقافة الغربية الحديثة على دول العالم باختلاف عقائد شعوبها وثقافاتهم.
وقد شهدت الستينيات ظهور ما يُسمى بمصطلح "تمكين المرأة" مرتبطاً بالحركة النسوية الغربية المنادية بـ"التحرير والمساواة"، ثم برز هذا المفهوم بفلسفته وتطبيقاته مع انعقاد المؤتمرات والمنتديات، ومنها لقاء مجموعة "التنمية البديلة بمشاركة المرأة من أجل عهد جديد" DAWN عام 1985م، الذي أعلن خططه المستقبلية التي تقوم على أهداف رئيسية عدة، منها: القضاء على أشكال التمييز كافة ضد المرأة، وإلغاء التبعية، وتحقيق المساواة السياسية..
ثم جاء إعلان مؤتمر بكين 1995م، وتضمنت فقرته الـ12 تمكين المرأة وضمان حقها في حرية الفكر والضمير والدين والمعتقد، واشتملت وثائق ذلك المؤتمر وتوصياته على الكثير من المواد التي تتعارض تماماً مع أحكام الشريعة الإسلامية وثوابتها.
وبتوقيع المملكة على اتفاقية مكافحة جميع أشكال التمييز ضد المرأة "السيداو" بات مصطلح التمكين للمرأة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً يروج في المحافل والدوائر الإعلامية دون فَهْمٍ واعٍ لحقيقته وحيثيات تطبيقه أو ملاءمته لواقعنا الديني والثقافي.
فالتمكين الذي نراه يطل بقوة هذه الأيام يستهدف الدفع بالمرأة إلى مواقع صنع القرار السياسي وتقلدها المناصب القيادية والوظائف الإدارية العليا، وسنّ التشريعات التي تحقق المساواة التامة ـ لا العدالة ـ وعدم التفرقة على أساس النوع في الفكر والممارسة، مع تغيير تدريجي لقوانين الأحوال الشخصية وإضعاف أو إلغاء قوامة الرجل وتهميش دور المرأة بوصفها زوجة وأُمّاً..
ولي مع هذا المصطلح العائم الخادع وقفتان:
* يتبنى القائمون على برامج تمكين المرأة خطوات معلنة لتأنيث الوظائف في القطاعات الحكومية والأهلية، مع التأكيد على أولوية تكافؤ فرص العمل بين الجنسين، بل إننا نلحظ تشجيعاً قوياً قادماً للتمييز لصالح المرأة في سوق العمل، والاهتمام المطرد بتدريبها وتأهيلها للمنافسة والتركيز على البرامج والاجتماعات والتحركات الداعمة لعملها، فيما لا يجد شقيقها الرجل الاهتمام والجديّة ذاتيهما لحل ما يعانيه من بطالة! وفي رأيي أن ذلك ينطوي على خلل كبير في الفهم وتسرّع ومخاطرة في التنفيذ؛ فكيف نقرّ تكافؤ فرص العمل بين الجنسين مع عدم تكافؤ الأدوار والمهام؟! الرجل المسلم مكلّف شرعاً وعرفاً بالعمل لتحمل مسؤولية نفقة المرأة وتوفير متطلباتها، بينما لا تضطر هي لذلك إلا في حالات قليلة بدافع الحاجة أو فقد العائل أو الرغبة في المشاركة. إن كل تأنيث لوظيفة يعني حرمان رجل من مصدر رزقه وسبيله للكسب وتكوين أسرة وإعاشتها، وفي ذلك أيضاً ظلم للمرأة لا تمكين لها؛ إذ سيُناط بها القيام بدور الرجل حين تتفاقم الأوضاع يوماً في منازل وظّفنا فيها المرأة وعزّزنا فيها عطالة الرجل، خلافاً لما يترتب على تزايد معدلات البطالة في صفوف الرجال من جرائم أمنية وأخلاقية كثيرة.
وكان الأولى السعي في استحداث وظائف جديدة للطرفين، مع خلق فرص جديدة لعمل الفتاة السعودية "أسواق ومستشفيات ومطاعم ومصانع ومشاغل للخياطة والتجميل بطاقم نسائي بالكامل"، وتقديم الدعم لخيار العمل من المنزل عبر إنشاء مشروعات صغيرة لصالح المرأة، وتشجيعها للعمل عبر تقنية الاتصالات والتصميم والتدريب والتعليم عن بُعد..
* إن مقاييس التمكين ذاتها تعتمد على إشراك المرأة في الحياة السياسية وتمثيلها في البرلمانات ووصولها إلى الحقائب الوزارية، وهذه معايير قاصرة وغبية؛ إذ لا تلتفت لأوضاع المرأة عامة في البلاد ونوعية ما يُقدم لها من رعاية وخدمات أساسية: الغذاء والصحة والتعليم.. فيكفي أن تتولى تسع أو عشرٌ من النساء مراتب وزارية أو إدارية عليا حتى يُحكم بريادة ذلك البلد في التمكين للمرأة!! ولكم أتأمل حال أولئك المحلّقين فرحاً بمنح منصب قيادي لامرأة، وأعجب لحالهم وهم يحاولون إقناعنا بأن كل مشاكلنا ستنتهي بمجرد دخول بعض النساء مجالات الدبلوماسية أو العسكرية أو الملاعب والكشافة و"الكاشير"!! رأينا حولنا كيف انساقت كثيرٌ من ديار المسلمين خلف شعار إطلاق الحريات وقرارات التمكين للمرأة، وكيف تم إدماجها في مواقع التعليم والعمل كافة دون مراعاة لأي ضوابط أو حدود، فأين بلغت تلك الدول في سلم التقدم والنهضة؟ وكيف بقيت أخواتنا المسلمات هناك يعانين الفقر والمشاكل والبؤس رغم كل ما قيل عن بشائر تحرير المرأة وتمكينها!
هيلاري كلينتون رغم التمكين قُتِلت كرامتها بالخيانة الزوجية! والوزيرة اليابانية والمغربية رغم التمكين تم ضربهما حتى دخلتا في غيبوبة.. وغيرهن كثير!
التمكين للمرأة عنصرية ضد الرجل وإشعال للصراع المحموم بينهما، ولا نحتاج إلى الارتقاء بأوضاع المرأة ومعالجة الممارسات الخاطئة ضدها ورفع الجور عنها إلا بتفعيل شرع الله وأحكامه بتفاعل المسؤول والعالم والمفكر لبذل الجهد، والإخلاص في العمل، والحزم في التطبيق.


ريم سعيد آل عاطف
[notif][email protected][/notif]

التعليقات
تصنيفات المقالات