بنات وزوجات: أنقذونا من ابتزاز المحارم

"سند، ظهر، سي السيد " تختلف المسميات باختلاف الزمان والمكان، بيد أنه تظل الحقيقة الراسخة في مجتمعنا العربي أن الرجل هو واحة الأمان للمرأة إذا ما تجاذبتها أمواج الحياة.

ومع تعقد المجتمعات وطغيان المادة ظهرت على السطح بعض السلوكيات الشاذة ارتكبها بعض الرجال بحق المرأة، وبات هناك نظام من نوع آخر، فأضحى الأخ ينبش مخالبه تجاه أخته، والزوج ينتهز الفرص لابتزاز زوجته أم أولاده، بل للأسف أصبح الأب "منبع الحب والحنان" عائقاً في طريق مستقبل ابنته.

وقد تم ترصد على استحياء شكوى بعض النساء من محارمهن وولاة أمورهن قبل أن تصبح صرخات تستنفر ضمير المجتمع، ولسان حالهن يردد "وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند".

جسد بلا روح
في البداية تحدثت "م ا" عن معاناتها مع أبيها قائلة: "أبي سبب أحزاني وآلامي، فمنذ تخرجي وعملي بالتدريس وهو يستولي على راتبي، وفي مرحلة شبابي رفض كل من يتقدم لخطبتي بحجة واهية وهى أنه لم يتقدم لي من يستحقني ويقدرني"، وبكل ألم تابعت حديثها: "مع امتداد عمري شعرت أني جسد بلا روح أصبحت بنكاً متحركاً يلبي رغبات أبي واحتياجاته فقط".

وبكل حسرة استكملت حديثها قائلة: "أنا الآن على مشارف الأربعين أتأمل عمري الذي ضاع هباء وأشعر أني أفتقد الأمان، غريقة بلا شراع يحميني"، وأوضحت "منذ فترة بسيطة تقدم لخطبتي رجل مناسب لي ثقافياً واجتماعياً، بيد أن أبي "ظل وجهه مسوداً" وقال لي بكل عصبية ولهجة آمرة: إذا تزوجت سوف تتنازلين عن راتبك لي وحقك الشرعي في ميراث والدتك.

وتساءلت في حيرة ماذا أفعل وقد أصبحت مكبلةً بقيود والدي التي أطفأت شموع الفرحة في عمري؟!

حقارة ومذلة
"حياتي بلا معنى ولولا خوفي من رب العالمين لانتحرت "بهذه العبارات الدامية تحدثت "ن، أ" تقول عن مأساتها: "ابتلاني الله بأخ تمنيت لو أصبح في طي النسيان، فهو سبب معاناتي، بعد وفاة أبي أصبح هو من يتولى رعايتي، وقد تعرف على أصدقاء السوء الذين أوقعوه في براثن الإدمان"، وتابعت حديثها بكل أسى: "تخلى أخي عن معاني الأخوة والرجولة، فأصبح يبتزني ويمتهن كرامتي".

وبصوت ممزوج بالبكاء واصلت حديثها قائلة: "اشترط أخي علي للسماح لي بالعمل أن أقيم علاقات مشبوهة مع شباب كي أحصل على النقود وأعطيه إياها لشراء حبوب الإدمان"، موضحة أنها رفضت بكل إباء هذا العرض الرخيص، وقد تعرضت للإهانة والضرب والعنف الذي كان من الممكن أن يودي بحياتها.

وصمتت عن الحديث ثم قالت: "أشعر بالحقارة والإهانة، وأكاد أجن عندما أتخيل فداحة الجريمة التي ارتكبتها بحق نفسي، وقد طحنتني الأيام بتروسها القاسية فأصبحت مجرمة وضحية في آن واحد".

ابتزاز مشروع
أما من رمزت لاسمها "فوز" فقالت: "تزوجت وأنا مازلت طالبة في الثانوي واكتشفت أن زوجي لا يحترم كياني ولا يؤمن بدوري شريكة حياته، وقد عنفني أكثر من مرة كي أترك التعليم وأصبح كالقشة في مهب الريح".

وبنبرة غضب تابعت حديثها: "عندما رفضت طلبه ضربني وحبسني في المنزل، وذات مرة طلب مني رغماً عني "معاشرته زوجياً" كي يرضخ لطلبي في الذهاب إلى الجامعة، وافقت مضطرة وشعرت بالغثيان والرغبة في الهرب من بين يديه، وتساءلت ماذا افعل وأنا أحب الجامعة وأتمنى أن أحقق أحلامي من خلالها، وعلى الرغم أنه زوجي، بيد أني أشعر أني حقيرة لأني أخضع لابتزازه المشروع".

استغلال الرجل
بدورها أفادت المستشار الأسرية الدكتورة أريج داغستاني أن من أسباب ابتزاز المحارم للمرأة: "ضعف علاقتهم بالله، والجهل بالأمور الدينية الخاصة بحقوقها"، لافتة إلى اختلاط مفاهيم حقوق المرأة لديهم، مرجعة ذلك للتنشئة الاجتماعية للرجل والمرأة في المجتمعات التي تعتمد على العادات أكثر من الدين؛ ما نتج عنه من إهدار حق المرأة وجعلها فريسة سهلة للوقوع في براثن استغلال الرجل.

ودعت داغستاني الأسرة إلى توعية أبنائها بمعرفة حقوق المرأة "أخت أو أم أو بنت"، وكذلك تربيتهم على أسس علمية، دينية، نفسية حتى يستطيعوا بناء أسرة صحيحة نفسياً، قادرة على مواجهة الأعباء بتوازن واستمرار، لتعديل المفاهيم المغلوطة عن قوامة الرجل في الإسلام، وشددت على ضرورة الابتعاد عن العادات التي شوّهت مفاهيم الدين الصحيحة، وخاصة فيما يتعلق بحقوق المرأة والرجل وواجباتهم تجاه بعضهم .

السلطة الذكورية
فيما أرجع استشاري الطب النفسي الدكتور محمد الحامد أسباب استغلال الرجل لمحارمه للسلطة الذكورية التي تهيمن على المجتمعات المحافظة، لافتاً إلى أن هذه المجتمعات تفرز امرأة مسلوبة الشخصية عاجزة عن الدفاع عن حقوقها، ومن ثم تصبح لقمة سائغة في براثن استغلال الرجل.

وأوضح الحامد أنه في بعض الأحيان يعامل الرجل المرأة كـ"عبد"، و جزء من ممتلكاته يتصرف فيها كيفما يشاء وقتما يريد، معتبراً استغلال الرجل للمرأة والتعدي على ممتلكاتها تشكيكاً في رجولته خاصة في المجتمع الشرقي.

وتابع قائلاً: "من يستغل محارمه، يعاني من اضطراب في الشخصية وانحراف عقلي أو نفسي، موضحاً أنه قد يكون شخصية "سيكوباتية" يتمرد على القوانين والأعراف، ويتعدى على حقوق وممتلكات الآخرين؛ ما يجعله يتبع سلوكيات غير سوية ويقدّر المال أكثر من اعترافه بالقيم الأخلاقية والاجتماعية في تعامله مع المرأة.

دوامة الألم
ووصف الحامد المرأة المستغلة أنها شخصية سلبية معدومة الثقة بالنفس، لافتاً إلى عدم إحساسها بالأمان؛ ما يجعلها قد تمارس "التقمص مع المعتدي"، وبالتالي تخضع له، مما يمكنه من استغلالها والضغط عليها بشتى الوسائل.

ورجح أنه في غالب الأحيان تكون المرأة ضحية؛ ما يضطرها للصمت على الإيذاء النفسي خوفاً على سمعتها وسمعة العائلة، واصفاً المرأة بكبش الفداء الذي يستغل باستمرار ويعجز عن الدفاع عن حقوقه. مطالباً بوجود جمعيات ومؤسسات المجتمع المدني لحماية المرأة من الاستغلال.

نماذج شاذة
حرصت عضو الغرفة التجارية الدكتورة عائشة نتو على التأكيد أن مشاركة المرأة العاملة ومساعدتها لزوجها ليستا عيباً، بل بات ذلك ضرورة حياتية، إلا أنه يجب أن يكون بإرادة المرأة وليس غصباً عنها أو بابتزازها.
فيما استنكرت وجود محارم يدفعون بنسائهم للرزيلة من أجل المال قائلة: "هذه نماذج شاذة لا يجب أن تعمم ومن يفعل ذلك فهو إما غير سوي أو مدمن أو لدية عقدة ما"، مطالبة بضرورة البحث جيداً في تلك الحالات حتى نتعرف على الأسباب الحقيقية ونحاول وضع حلول لها حتى لا تتفاقم.

وأوضحت أن هناك العديد من النساء لا يوجد لديهن وعي بحقوقهن في كل مجالات الحياة وليس في الأمور المادية فقط، مشيرة إلى أنه من الضروري جداً أن تفرق المرأة بين العرف الاجتماعي والعرف القانوني، وقالت: "هناك إرث ثقيل تربت عليه المرأة ومفاهيم اجتماعية خاطئة جعلتها تخاف أن تعارض زوجها حتى إن كان خاطئاً".

الطاعة العمياء
وحثت نتو على وضع خطة بين الزوجين لمعرفة كل منهما ما له وما عليه، حتى يتم تحديد الدور الصحيح لكلا الطرفين، مؤكدة ضرورة أن تتضافر الجهود لتوعية وتثقيف الرجل والمرأة معاً، فهما نتاج موروث ثقافي من أم وجدة جعلت المرأة تطيع الرجل وهي عمياء دون أدنى تعليم للرجل بحقوق المرأة عليه، كما أن الثقافة السائدة تحث دائماً على طاعة المحرم حتى إن كان على خطأ.

وأعربت نتو عن تفاؤلها بالجيل الجديد من البنات، وقالت: "فهن على وعي كبير بحقوقهن، فمخرجات التعليم الآن جعلت المرأة أكثر قدرة على انتزاع حقها، ورفضها للابتزاز من قبل أقرب الأقربين".

العوز المادي
أوضحت مستشارة تمكين المرأة لبنى الغلاييني إلى أن الفئات الأكثر فقراً التي تنتشر فيها مشاكل جسيمة، تطغى فيها حالات العوز المادي على القيم والفطرة السليمة، كما أن دخول المرأة لسوق العمل لزيادة دخل الأسرة جعلها تشكل مصدراً مادياً يؤدي لتواكل رب الأسرة وبقية المحارم على هذا الدخل البسيط الذي تنتزعه انتزاعاً من سوق العمل بجهد وكدح كبيرين.

ورأت الغلاييني أن ضعف بعض النساء واستسلامهن وميلهن للعنف، لعب دوراً كبيراً في الابتزاز والتسلط الذي يتعرضن له من قبل محارمها؛ ما يجعلها تتنازل عن مكتسباتها المادية لمن يضغط أكثر ويسبب لها مصدر إزعاج بتعنيفه وإصراره، مضيفة أن البعض الآخر يكون قوياً متماسكاً، ومع ذلك يتعرض للابتزاز المادي والضغط والعنف الجسدي لأسباب تتعلق بعدم قدرته على المقاومة، كتحكم الأب في مصير ابنته وعضلها، أو عدم السماح لها بالعمل.

مقايضة المرأة
وأعربت عن أسفها مما يقوم بعض من أولي الأمر سواء كان "أب أو أخ أو زوج"، باستغلال حقه الشرعي في الوصاية بشكل غاية في التردي الأخلاقي وتصل إلى مقايضة المرأة المسؤول عنها بين إعطائه ما تكسبه وبين إيقافها عن عملها وعضلها عن الزواج أو حرمانها من أولادها ومن حقوقها الشرعية، مطالبة بوجود لجنة تكون لها صلاحيات وسلطة تمنع الرجل المتجني من ممارسة حقه الشرعي بغير الإطار الذي وضع من أجله أساساً.

كرامة المرأة
أما الباحث في الشؤون الإسلامية خالد الرميح فرأى أن الشرع أعطى للمرأة مكانة كبيرة من الناحية الاجتماعية والمادية، قائلاً: "المرأة لها ذمة مالية ولا تتبع لأحد ولها أن تتصرف كيفما شاءت، ولا يجوز لأحد أن يجور على أي حق من حقوقها".

وأكد أن الإسلام منح المرأة حق العمل طالما ملتزمة ومحافظة عل الكرامة والشرف والعرض والدين، ولا يحق للولي أن يمنعها من حق كفله لها الإسلام لمجرد رأي أو لجهله بالدين، مؤكداً أن ابتزاز الولي يهدر كرامة المرأة التي نادى بها الإسلام.

ووصف الرميح من يبتز زوجته على المعاشرة الزوجية بأن يشترط أن تعطيه مقابلاً أو يمنعها من الذهاب للعمل إلا إذا عاشرته، بأنه عار على الرجال، وقال: "من يقوم بهذه الأعمال قد تجرد من كل معاني الأخلاق والمروءة"، داعياً المرأة في تلك الأحوال أن تطالب بحقها وتذهب للقضاء.

التعليقات
تصنيفات المقالات